6- العصمة .. أئمة كالأنبياء ومشرعون كالرسل د. عاصم الفولى - DR Assem Elfouly Assem Elfouly

6- العصمة .. أئمة كالأنبياء ومشرعون كالرسل

منذ 3 ايام | 755 مشاهدات

لن أمل من التذكير بأن الهدف هو تكوين الجبهة الإسلامية العريضة، ونحن ندرس الخلافات حتى نميز بين ما يمكن التعايش معه مما ينبغي الحوار بشأنه لتحييد أثره في عرقلة التحالف، ليس مهما اليوم أن نفكر في كيفية تحويل الشيعة إلى سنة، بل في كيفية تعاون الشيعة والسنة في مواجهة عدوهم المشترك.

تؤمن كل فرق الإمامية بأن الله قد اختص أئمتهم بخصائص ترفعهم إلى مقامات الأنبياء (وقد تعلو عليها) عدا محمدا (ص)، وتمنحهم سلطات مطلقة على الناس، ويسوقون لذلك أدلة عقلية وفلسفية، فنصوص الكتاب والسنة لا تسعفهم في إثبات هذه المزاعم (أثار هذا إستغرابي أول الأمر، ثم لاحظت أن هذا هو بالضبط حال النصارى مع إثبات ألوهية المسيح).

ركيز منظرو الإمامية على الإصطفاء الإلهي لإقناع الشيعة أن الإعتراف بسلطة الإمام هو الطريق إلى ثواب الآخرة، لكنهم كانوا في حاجة لتوضيح أن هذا يضمن أيضا ثواب الدنيا، فجاءت فكرة العصمة لتقول أن حكومة لإمام هي أفضل أنواع الحكومات قاطبة، فالإمام معصوم من الخطأ في تفسير القرآن وإستنباط الأحكام وفي كل ما يتخذه من قرارات دنيوية، والأمر في فهمهم لا يجوز إلا أن يكون كذلك، ويعدون هذا حكما عقليا يجب قبوله كما نقبل الأحكام العقلية التي بواسطتها آمنا بوجود الله وبصدق رسوله (ص)، والتي بدونها لا يمكن قبول الإسلام نفسه، مع أن علماء السنة يرون، من إستقراء الكتاب والسنة والسيرة النبوية، أن أفضل الخلق صاحب الشريعة (ص) معصوم في التبليغ، وقد يجتهد فيراجعه الوحي أحيانا ويعدل إجتهاده، أما قراراته السياسية والعسكرية فقد كان الصحابة يراجعونه فيها ويرجع إلى آرائهم أحيانا)، ويبني الإمامية إستدلالهم على أن الله ما دام قد عين الإمام لقيادة الدين والدنيا وفرض طاعته فلا يجوز أن يسمح بوقوعه في الخطأ في حكم شرعي أو في قرار دنيوي، وإلا فإنه قد يأمر بما يخالف مراد الله أو بما يؤدي إلى الفساد في الأرض، وعندها يقع المسلمون في حرج شديد، لأنهم إن أطاعوه فقد عصوا ربهم بعدم تنفيذ مراده، وإن رفضوا طاعته فقد وقعوا في إثم ترك طاعة من فرض الله عليهم طاعته، ولضمان أن يكون الإمام على صواب دائما في كل حكم أو قرار فإن الله قد أعطاه كل علم، سواء كان من العلوم التي يكتسبها الناس بالتعلم أو من تلك التي لا تبلغها قدرات البشر، فعلم الإمام بغير حدود ويأتيه بالإلهام، فالأئمة لم يتربوا على أحد، ولم يتعلموا من معلم، حتى القراءة والكتابة، وما سئلوا عن شيء إلا أجابوا فورا، ولم تمر على ألسنتهم قولة "لا أدري"، ولا حدث أن أجلوا الجواب للمراجعة أو التأمل أو نحو ذلك.

إن الإيمان بعصمة الأئمة أدى إلى رفع أقوالهم إلى مستوى الأحاديث النبوية وإعطائها نفس الحجية في إستنباط الأحكام الفقهية، فأصبح للإثنى عشرية ثلاثة عشر مشرعا، فاقوال الإمام ليست بالضرورة إستنباطا من الكتاب والسنة، فهي تكتسب حجيتها عندهم من مجرد نطق الإمام بها، وفقهاء الإثنى عشرية لا يصححون من أحاديث رسول الله (ص) إلا ما نقل إليهم من طريق إئمتهم ورواتهم، ولا يعتدون بغيرها مما نقلته كتب السنة، حتى البخاري ومسلم، وبالإضافة لذلك فهم لا يعترفون بالقياس، ويستبدلون به الإستدلال العقلي في ما لم يرد يه نص .. هذا الوضع كان أحد أسباب الخلاف بين فقهاء السنة حول الموقف من المذهب الجعفري (نسبة إلى الإمام السادس جعفر الصادق)، فقه الشيعة الإمامية الإثنى عشرية المعتمد وحده في الدستور الإيراني.

كان أئمة آل البيت (رض) في القمة من العلم والزهد والورع، ولا شك أن إجتهاداتهم لا تقل أبدا عن إجتهادات أئمة السنة، وما يستنبطونه من أحكام هو عندنا آراء معتبرة يجوز تقليدهم فيها، مع عدم إعترافنا بعصمتهم، بالضبط كما يجوز تقليد أئمة أهل السنة الذين وصلوا لدرجة الإجتهاد، ولا نرى أن رأي أحد منهم أول بالإتباع من غيره، لكن المشكلة أن علماء الإثنى عشرية لم يبدأوا في الأخذ بقواعد علم مصطلح الحديث في فحص تراجم الرجال لمعرفة حالهم وعدالتهم وضبطهم في الحفظ والرواية للتأكد من صحة السند، ولا بقواعد نقد المتون من حيث عدم تعارضها مع آيات الكتاب أو الأحاديث الأوثق منها، وقد صححوا روايات لرجال أثبت علماء الجرح والتعديل من السنة أنهم كذابون أو وضاعون، وهذا يلقي بالكثير من ظلال الشك على مصادر وإستباطات علماء المذهب الجعفري.

لقد أفتى الشيخ محمود شلتوت شيخ الجامع الأزهر الأسبق رحمه الله أن مذهب الشيعة الجعفرية الإثنى عشرية هو واحد من المذاهب الإسلامية التي يجوز التعبد بها، لكن العديد من أكابر العلماء تحفظوا على هذه الفتوى، وقالوا أنه إذا كان الهدف منها هو التسامح مع أتباع هذه الفرقة عندما يسيرون في عباداتهم ومعاملاتهم على أحكام مذهبهم فربما جاز قبولها (بعضهم ذهب إلى أن نجري عليهم أحكام أهل الكتاب في تركهم وما يدينون به، وأحسب أن في ذلك مبالغة)، لكن لا ينبغي أن نذهب إلى إفتاء عوام المسلمين بأن تقليد المذهب الجعفري هو كتقليد أي من المذاهب الأربعة المتبوعة، فهذا مذهب لا يوثق بمصادره ولا بمنهجه في الإستنباط.

كما تري فإن عصمة الأئمة أصبحت قضية تاريخية، فلا يوجد اليوم عندهم إمام يدعون له العصمة ويطالبوننا بالخضوع لسلطته، أما إتباعهم لأحكام مذهبهم الفقهية فلا ينبغي التوقف عنده، فبإستثناء القليل من الأحكام (كإباحتهم زواج المتعة وما ينبني عليه من آثار) لا تتسع الخلافات بيننا وبينهم بأكثر مما تتسع بين المذاهب الأربعة المتبوعة، ويا ليت هؤلاء الذين تخصصوا في الجدال معهم حول صحة أحكام مذهبهم أن يوجهوا مجهودهم لما هو أنفع.

أما في العقائد المتعلقة بالإلهيات والغيبيات وشئون الآخرة فهم معتزلة أقحاح، وإن قالوا أنها عقائد أئمتهم، والإعتزال عند علماء السنة لا يتجاوز أن يكون من البدع، والخلاف بين عقائد السنة وعقائد الإثنى عشرية لا يزيد عن الخلاف بين الأشاعرة والوهابية، ولعله أقل.    

 

 

شارك المقال