منذ 1 شهور | 4302 مشاهدات
ما هي العوامل التي يجب توافرها لحكومة في المنفى كي تحظى بإعتراف دولي بأنها تمثل شعبا محتلا يطالب بالإستقلال؟ .. تعلمنا خبرة التاريخ أن أول هذه العوامل هو وجود عدد كبير من دول العالم تستنكر الإحتلال وتؤيد حق الشعب في التحرر، وثانيها هو تمكن قادة التحرير من تشكيل هيئة تقنع هذه الدول بأنها نالت تأييد غالبية الشعب في الداخل والخارج وتمتلك شبكة العلاقات والمنظمات القادرة على تنظيم حركة الجماهير للكفاح في سبيل الإستقلال.
يوجد بالفعل عدد كبير من الدول تؤيد حق الفلسطينيين في دولتهم المستقلة، ففي 10 مايو 2024 صوتت 147 من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة لصالح قرار بإنضمام فلسطين كدولة كاملة العضوية، ثم تجلى هذا التأييد بتفصيل أكبر عندما صوتت 124 دولة يوم 18 سبتمبر 2024 لصالح قرار يقضي بأن تنهي إسرائيل إحتلالها للأراضي الفلسطينية في غضون 12 شهرا، وأن تسحب قواتها وتخلي المستوطنات وتسمح بعودة الفلسطينين النازحين وألا تعوق الشعب الفلسطيني عن ممارسة حقه في تقرير مصيره بما في ذلك إقامة دولة مستقلة ذات سيادة على كامل الأرض المحتلة عام 1967، بموجب هذا القرار يمكن للدول التي تعترف بحكومة المنفى أن تتعامل معها من أغسطس 2025 بإعتبارها صاحبة الولاية المغتصبة على الأرض المذكورة في القرار .. ينبغي على الشعب الفلسطيني أن يفرز تلك الحكومة التي تتعامل معها هذه الدول.
يوجد عدد لا بأس به من الحكومات التي تنشط في مناهضة الإحتلال الإسرائيلي تدرك أن سلطة أبو مازن لايمكن الإعتماد عليها، هذه الدول ستتبنى حكومة تحظى بثقة الشعب، وستعمل على أن تعترف بها معظم الدول التي صوتت لصالح الحق الفلسطيني ، فمن أين نبدأ لإيجاد هذه الحكومة؟
لقد توافقت الفصائل عندما إجتمعت الصيف الماضي في بكين على تشكيل حكومة تضم كافة القوى والفصائل الفلسطينية "في إطار منظمة التحرير"، والالتزام بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس طبقا لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة" وحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال وإنهائه "وفق القوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة"، وأن يتم تشكيل "حكومة وفاق وطني مؤقتة بتوافق الفصائل على أن يكون إعلانها بقرارا من الرئيس الفلسطيني "، كما رفضت الفصائل كل أشكال الوصاية ومحاولات سلب الشعب الفلسطيني حقه في تمثيل نفسه أو مصادرة قراره الوطني المستقل.
أعطى الإتفاق لهذه الحكومة أهم الخصائص المطلوبة، فقد إعترف بمشروعية المقاومة، وحدد هدفها ليشمل تحقيق كل ما قررته القوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة (وهي نقطة سنفصل في أهميتها في مقالات قادمة بإذن الله)، كما أعلن أنه سيتصدى لكل المناورات الهادفة لبسط وصاية النظم العربية .. لكنه إشتمل في طياته على عناصر فشله، فالإصرار على العمل في إطار منظمة التحرير سيقيد الحكومة بميثاق المنظمة بعد تعديله والذي يقر بنبذ العنف والإقتصار على الوسائل السلمية (راجع مقال "صعود وهبوط منظمة التحرير" http://www.assemelfouly.com/seriespost/401 )، كما أن الإلتزام بأن يكون قيام الحكومة بقرار من الرئيس الفلسطيني يعني ببساطة أنها لن تقوم، فأبو مازن ما فتئ يعلن إعتراضه على المقاومة من حيث المبدأ، ويقمع المقاومين في الضفة (20 شهيدا برصاص شرطته) وإنتهى بإتهام حماس بالخيانة العظمى عندما إجتمعت مع سياسي أمريكي (لأن هذا الإجتماع كان من خلف ظهر الحكومة الإسرائيلية، أما عندما إتصلت حماس برجال المخابرات الأمريكية ضمن الوساطة التي ترضى عنها إسرائيل فلم يمانع)، ويحمل حماس والمقاومة مسئولية دمار غزة بسبب رعونتها وخضوعها للأجندة الإيرانية .. إلخ ..
لقد آن الأوان لأن تلجأ المقاومة إلى الشعب الفلسطيني بشكل مباشر لتطلب منه إعلان ثقته في الحكومة لتي توافقت عليها الفصائل لتقود جهود التحرير التي يتملص منها أبو مازن، بالطبع لن تجد أي جهة لتجري إنتخابات يفرز بها الشعب حكومته، سلطة أبو مازن وحكومة إسرائيل ستعرقلان أي محاولة، لكننا نستطيع تصور وسائل أخرى، ويمكن للعقل الفلسطيني الذي أبدع إنتفاضة الحجارة ومخطط الطوفان أن يجد الوسيلة المناسبة، ومناسبة هنا بمعنى أنها قادرة على إقناع عدد كبير من الحكومات المناصرة للقضية والتي يمكنها تفهم الظروف التي تضطرنا لسبر إرادة الجمهور الفلسطيني بوسلئل غير تقليدية(ربما تكون حملة لجمع التوقيعات مثمرة وفعالة).
هذه الحكومة لن تكون حكومة حماس، ولا حكومة تحالف فصائل المقاومة، ستضم بالطبع ممثلين للفصائل، لكنها ستكون حكومة مدنية تضم عددا من المستقلين والتكنوقراط (خصوصا هؤلاء الذين يملكون الخبرات الفنية والإدارية اللازمة لإعادة الإعمار بالجهود الذاتية لإفشال مؤامرة الإعمار مقابل الإستسلام، والآخرون الذين سيباشرون العمل القانوني مع الجهات الدولية)، وستحتاج الحكومة لمساندة من هيئة تأسيسة موسعة تضم ممثلين لمنظمات المجتمع المدني في الداخل (توجد 350 منظمة في الضفة) وقيادات التجمعات الفلسطينية في الخارج .. لسنا بصدد تقديم تصور لهذا الكيان السياسي القادر على قيادة الجماهير وتحريكها من جهة، والإتصال بكل الأجهزة الدولية من جهة أخرى، فأهل مكة أدرى بشعابها.
على الحكومة الوطنية أن تعلن أن مهمتها هي العمل على تنفيذ القرارات الأممية، وأنها ستعمل في إطار الشرعية الدولية، ودعمها للمقاومة لا يخرج عما تقرره القوانين والقرارات عن حق الشعب المحتل في إستخدام كل الوسائل لتحرير أرضه، وأنها لا تقر أي إنتهاكات أو جرائم حرب، وستتعاون في تنفيذ أي عقوبات يقررها المجتمع الدولي على من يرتكب هذه الجرائم، شريطة أن يتم ذلك من خلال تحقيق دولي محايد يشمل كل خرق وكل جريمة، من جانب المقاومة ومن جانب إسرائيل على السواء، فالقضايا العادلة لا تخدم بالوسائل الباطلة، والعقوبات لا ينبغي أن توقع على طرف دون طرف.
لابد أن تعمل الحكومة الوطنية في أقرب فرصة على إعلان "البرنامج الوطني الفلسطيني" الذي يخاطب الفسطينيين والعرب والمسلمين وكل الشرفاء في العالم بإعتبارهم أصحاب لهذه القضية، وسيتم إعداده بعد مشاورات واسعة مع القطاعات الفلسطينية المختلفة، ومع كل أنصار قضيتهم .. لا يمكننا أن نقترح عليهم برنامجهم، لكننا سنقدم ما لدينا من أفكار تتعلق بالموضوع، وعلى الله قصد السبيل.